كتب صالح سالم من القاهرة أن حالة من الغضب والرفض تنتشر داخل مصر مع اقتراب دخول اتفاق ضخم لاستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل حيز التنفيذ، بعد أن صادقت عليه تل أبيب مؤخرًا. يرى معارضو الاتفاق أنه يحمل أبعادًا سياسية وأخلاقية خطيرة، بينما تبرره الحكومة المصرية باعتبارات اقتصادية وأمنية مرتبطة بأزمة الطاقة المتفاقمة.

 

يتابع العربي الجديد تفاصيل الاتفاق الذي تبلغ قيمته نحو 35 مليار دولار، ويمتد على مدار 15 عامًا، ويقضي بتصدير نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز من حقل ليفياثان الإسرائيلي إلى مصر، بعد موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عليه في 17 ديسمبر.


غضب شعبي وتساؤلات أخلاقية

 

أثار الاتفاق موجة اعتراض حادة بين قطاعات واسعة من المصريين، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تساءل معارضون عن جدوى ضخ مليارات الدولارات في اقتصاد إسرائيل في وقت تواصل فيه حربها على غزة، والتي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين. عبّر كمال أبو عيطة، الناشط السياسي ووزير القوى العاملة الأسبق، عن هذا الغضب بقوله إن الحكومة تبدو وكأنها تكافئ نتنياهو رغم الاتهامات الموجهة إليه بارتكاب جرائم جسيمة في غزة، معتبرًا أن الاتفاق يرسخ مسار التطبيع مع دولة تواصل احتلال الأراضي العربية وقتل المدنيين.


أزمة طاقة وضغوط سياسية

 

تسعى مصر إلى تعويض التراجع الحاد في إنتاجها المحلي من الغاز، وهو تراجع أدى إلى ضغوط كبيرة على شبكة الكهرباء وعودة انقطاعات التيار، ما يثير مخاوف رسمية من تداعيات اجتماعية وأمنية في ظل توترات إقليمية متصاعدة، تشمل الحرب على غزة والصراع في السودان والاضطرابات في البحر الأحمر. يرى محللون في القاهرة أن تأخر إسرائيل في تفعيل الاتفاق سابقًا استخدم كورقة ضغط سياسية، في ظل الخلافات بين القاهرة وتل أبيب منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، خاصة بشأن رفض مصر القاطع لأي خطط لتهجير الفلسطينيين.

 

ويعتقد باحثون أن موافقة نتنياهو الأخيرة جاءت نتيجة ضغوط مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يسعى، بحسبهم، إلى الحفاظ على دور مصر الإقليمي ومكافأتها على مشاركتها في جهود الوساطة لوقف إطلاق النار في غزة، إلى جانب قطر وتركيا.

 

بين منطق السوق ومخاطر الارتهان

 

تؤكد الحكومة المصرية أن الاتفاق تجاري بحت ولا يحمل أبعادًا سياسية، مشيرة إلى أن الغاز الإسرائيلي يغطي حاليًا ما بين 15 و20% من احتياجات مصر السنوية، وأن استيراده عبر الأنابيب أقل تكلفة من استيراد الغاز المسال من دول بعيدة مثل قطر. يعتمد هذا الطرح على قرب المسافة ووجود خط أنابيب العريش–عسقلان، الذي أنشئ في الأصل لتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل قبل تراجع الإنتاج المحلي.

 

في المقابل، يحذر معارضون من أن الاعتماد المتزايد على الغاز الإسرائيلي يمنح تل أبيب نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا خطيرًا على القرار المصري، ويقوض استقلالية القاهرة في لحظة إقليمية حساسة. يرى أبو عيطة أن بدائل أخرى متاحة دون هذه المخاطر، محذرًا من أن ربط أمن الطاقة المصري بإسرائيل قد يضع الاقتصاد الوطني بأكمله تحت ضغط سياسي مستمر.

 

بين خطاب الضرورة الاقتصادية واتهامات الخيانة، يستمر الجدل في مصر حول اتفاق الغاز، وسط صمت رسمي في الشارع واحتدام النقاش في الفضاء الرقمي، في مشهد يعكس عمق الانقسام بين حسابات الدولة ومشاعر الرأي العام.

https://www.newarab.com/news/treason-or-necessity-egyptians-unsold-over-gas-pact-israel